موانع الهداية
الإعراض عن الهدى
أ- تعريفه:
من
موانع الهداية إلى رب العالمين الإعراض عن الهدى، وقبل الخوض فيه نعرج على
تعريفه لغة واصطلاحاً، وبما أن الجملة مركبة من كلمتي الإعراض والهدى
فنعرف الهدى أولاً ثم الإعراض عنه .
أولاً الهدى لغة : قال الجوهري: الهدى والرشاد الدلالة يؤنث ويذكر, وقال الجرجاني: الهداية الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب(1).
وأما
الإعراض لغة قال الراغب: أصل العرض خلاف الطول أن يقال في الأجسام ثم
يستعمل في غيرها ،وأعرض أظهر عرضه أي ناحيته وقوله تعالى ) وَمَنْ
أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى[ [طه:124]. أي الإعراض عن الذكر، التولي عنه وعدم
قبوله أ.هـ.
وأما الإعراض اصطلاحاً: قال الكفوي: الإعراض الانصراف عن الشيء بالقلب(2) .
وقال المناوي: الإعراض الإضراب عن الشيء بأن تأخذ عرضاً أي جانباً غير الجانب الذي هو فيه(3) .
وعلى هذا يمكننا أن نعرف الإعراض عن الهدى بأنه انصراف القلب عن دلالة وإرشاد البارئ عز وجل.
ثانياً: الوعيد الوارد في الكتاب والسنة للمعرضين عن الهدى :
قال تعالى: )وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ[[يوسف:105].
وقال
تعالى: ) وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ
كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ[ [ يس:46], وقال تعالى: )وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا
قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن
يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى
فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً[ [ الكهف:57].
وعن النعمان بن بشير
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة ثم
قرأ )وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ[[غافر:60 ]"(4).
ثالثاً : مظاهر الإعراض عن الهدى :
1-
الإعراض عن حكم الله ورسوله قال تعالى : ] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن
قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ
أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ
ضَلاَلاً بَعِيداً[[ النساء:60].
قال تعالى : ] أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ
اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم
مُّعْرِضُونَ [ [آل عمران:23].
وقال تعالى: ] وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ[ [النور:48].
ومن
مظاهر الإعراض عن الهدى الإعراض عن الطاعات كما قال تعالى: ]وَإِذْ
أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ
وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ
وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ[ [ البقرة:83].
الإعراض عن آيات الله ودلائل
وحدانيته وقدرته، قال تعالى: ] وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ
رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ[ [الأنعام:4].
الإعراض
عن النفقة والصدقة في سبيل الله قال تعالى: ] فَلَمَّا آتَاهُم مِّن
فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ[ [ التوبة:76].
الإعراض عن ذكر الله تعالى كما قال تعالى: ] قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم
مُّعْرِضُونَ [ [ الأنبياء:42].
6- ومن مظاهر الإعراض: الغفلة عن
هدى الله والدار الآخرة كما قال تعالى: ] اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ
وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ [ [الأنبياء:1].
8- الإعراض عن
القرآن وتدبره وتعلمه كما قال تعالى: ) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى[
[طه:124].
9- عدم شكر المنعم تعالى على نعمه وآلائه قال تعالى : ]
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ
وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ[ [ فصلت:51].
10-
إتباع الهوى قال تعالى : ]قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ
إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ[ [ الأنعام:56].
11- إتباع
خطوات الشيطان وتلبيساته ]فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ
الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ
اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ[ [ الأعراف:30].
12-
ومن مظاهره كذلك الإعراض عن الموعظة قال تعالى: ]فَمَا لَهُمْ عَنِ
التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ
مِن قَسْوَرَةٍ[ [المدثر : 49-51].
رابعاً : حكم الإعراض عن الهدى:
عده
ابن حجر الهيثمي من الكبائر، وهي من كبائر الباطن التي يذم عليها العبد
أعظم مما يذم على السرقة والزنا ونحوها من الكبائر ،وذلك لعظم مفسدتها
وسوء أثرها ودوامه(5) .
خامساً : علاج الإعراض عن الهدى:
من أهم أسباب علاج مرض الإعراض عن الهدى ما يلي:
1-
الاعتصام والاستمساك بالهدى ومجاهدة ومصابرة النفس على ذلك قال تعالى
]وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[ [
أل عمران:101], وقال الله تعالى: ]فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ
إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[ [الزخرف:43].وقال تعالى:
َ]أَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ
فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ
صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً[ [ النساء:175].
2- الإيمان بالله تعالى
إيماناً صادقاً لا يداخله شك ولا ريب فهو أنجح علاج للإعراض عن الهدى كما
قال تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ[ [ يونس:9]. وقال تعالى : ]وَمَن يُؤْمِن
بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[ [التغابن
:11].
3- لزوم ومتابعة الهدى الإلهي، والعمل بما ورد في الكتاب
والسنة كما قال تعالى: ]فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا
يَشْقَى[ [طه:123].
وقال تعالى: ] الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ
الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ
اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[ [ الزمر:18].
4-
العلم فالعلم يقود صاحبه دوماً إلى رب العالمين وهداه كما قال تعالى:
]وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ
فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ
الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[ [ الحج:54], وقال تعالى :
] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ غَفُورٌ [ [فاطر:28].
5- عدم إتباع الهوى والزيغ فهو لا
يقود إلا إلى الضلال والزيغ كما قال تعالى: ] قُل لاَّ أَتَّبِعُ
أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ[
[الأنعام :56].
6-أن تسد مداخل الشيطان إلى نفسك، وذلك بالتعوذ
منه، وفي الحديث الصحيح "إذا ذكر الله خنس الشيطان"(6), وتضييق مجاريه
بالجوع والعطش وذلك بالصيام .
7-مجاهدة النفس كما قال تعالى: ]
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ
اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[ [العنكبوت :69].
8- طاعة الله
ورسوله قال تعالى : ] قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا
حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ
الْبَلاغُ الْمُبِينُ [ [النور :54].
9- الصبر في الله وبالله وعلى
الله كما قال تعالى : ] وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[
[السجدة:24].
10- الدعاء والتضرع إلى الله تعالى الذي بيده الهداية
،ولذا يردد المسلم في كل صلاة ]اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ[
[الفاتحة:6]. وقال تعالى ] فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ
صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ
ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ
اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ[ [ الأنعام:125] لاسيما
في أوقات الإجابة، والثلث الأخير من الليل وساعة الجمعة ووقت الإفطار …
الخ.
قال ابن تيمية رحمة الله عليه: والعبد مضطر دائما إلى أن
يهديه الله الصراط المستقيم فهو مضطر إلى مقصود هذا الدعاء فإنه لا نجاة
من العذاب، ولا وصول إلى السعادة إلا بهذه الهداية، وهذا الهدى لا يحصل
إلا بهدى الله(7) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ما صليت خلف
نبيكم إلا سمعته يقول حين ينصرف: "اللهم اغفر لي خطئ وعمدي اللهم اهدني
لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت"(8) .
11-
ومن أسباب علاج الإعراض عن الهدى الإكثار من النوافل والقرب والطاعات، قال
ابن القيم رحمه الله :الهداية تجر الهداية، والضلال يجر الضلال فأعمال
البر تثمر الهدى، وكلما ازددت منها زاد الهدى، وأعمال الفجور بالضد، وذلك
أن الله سبحانه يحب أعمال البر فيجازي عليها بالهدى والفلاح، ويبغض أعمال
الفجور ويجازي عليها بالضلال والشقاء.(9)
12- سماع الموعظة
والتذكير كما قال تعالى ) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى*
سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى* وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى* الَّذِي يَصْلَى
النَّارَ الْكُبْرَى[ [ الأعلى:9-12].
أمثلة ونماذج لمن أعرض عن الهدى بعد ما تبين له:-
كثير
من المعرضين عن الهدى هم من أهل العلم، والبحث والدراسات العلمية ،بل
بعضهم من ذوي الشهادات العلمية العليا!! كما وصفهم الله تعالى بقوله
]وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ
عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ[ [يوسف:105] .